[3] البناية شرح الهداية (12/ 14)
واعلم أن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد وأنها أقل ما تجب، وذكر الأترازي أن هذا إجماع وقال الكاكي: وقال مالك وأحمد والليث والأوزاعي: يجوز الشاة عن أهل بيت واحد، وكذا بقرة أو بدنة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لما ضحى كبشين وقرب أحدهما، قال: " اللهم هذا عن محمد، وأهل بيته " وقرب الآخر وقال: " إن هذا منك ولك عمن وجد من أمتي» .
وعن أبي هريرة لما ضحى بالشاة جاءت ابنته وتقول: عني فقال: وعنك. قلت: هذا لا يدل على وقوعه من اثنين بل هذا هبته ثوابه.
وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال: الشاة عن واحد، انتهى.
والبدنة تجزئ عن سبعة إذا كانوا يريدون بها وجه الله سبحانه وتعالى، وكذلك البقرة، وإن كان أحدهم يريد اللحم لم يجز عن الكل، وكذا لو كانت نصيب أحدهم أقل من السبع لم تجز، وأما إذا كانوا أقل من سبعة ونصيب أحدهم الثلث والآخر الربع جاز بعد أن لا يكون نصيب أحدهم أقل من السبع، هذا إذا اشتروا بالشركة أو اشترى أحدهم بنية الاشتراك ثم اشتراك بعد ذلك، يجوز الأضحية ولكن يضمن قيمة ما باع ويستوي الجواب إذا كان الكل من جنس واحد ومن أجناس مختلفة أحدهم يريد جزاء الصيد والآخر هدي المتعة والآخر الأضحية، بعد أن يكون الكل لوجه الله تعالى ويجوز استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر، كذا في " شرح الطحاوي ".
م: والقياس: أن لا تجوز إلا عن واحد؛ لأن الإراقة واحدة، وهي القربة إلا أنا تركناه بالأثر وهو ما روي «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: نحرنا مع رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال: «نحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» وأخرج أبو داود في الأضحية والنسائي في الحج عن قيس عن عطاء عن جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «البقر عن سبعة والجزور عن سبعة» .
وإن قلت: أخرج الترمذي في " جامعه " والنسائي في " سننه " وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزور عشرة» . وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
قلت: قال البيهقي: حديث أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في اشتراكهم وهم مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجزور سبعة أصح، أخرجه مسلم، على أن اشتراكهم في العشرة محمول على أنه في القسمة لا في التضحية. م: (ولا نص في الشاة فبقي على أصل القياس) ش: أي لم يرد نص على أن يكون الشاة عن أكثر من واحد فاقتصر على أصل القياس وهو أن الإراقة واحدة فلا يجوز إلا عن واحد.
فإن قلت: كيف يقول ولا نص في الشاة، وقد روى الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام، «وكان قد أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صغير فمسح رأسه ودعا له، قال: " كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله» وقال: صحيح الإسناد.
قلت: هذا لا يدل على وقوعه من الجماعة، بل معناه أنه كان يضحي ويجعل ثوابه هبة لأهل بيته كما ذكرناه آنفا.
شرح معاني الآثار (5/ 224)
ثُمَّ كَانَ الْكَلَامُ بَيْنَ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ الْفِرْقَةِ الَّتِي تُخَالِفُ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا ، وَتَقُولُ : إنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ، وَتَذْهَبُ إلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِمَّا احْتَجَّتْ بِهِ الْفِرْقَتَانِ الْأُولَيَانِ لِقَوْلِهِمَا ، مَنْسُوخٌ أَوْ مَخْصُوصٌ .
فَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَبْشَ ، لَمَّا كَانَ يُجْزِئُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، لَا وَقْتَ فِي ذَلِكَ وَلَا عَدَدَ ، كَانَتْ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ أَحْرَى أَنْ تَكُونَا كَذَلِكَ ، وَأَنْ تَكُونَا تَجْزِيَانِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ،
لَا وَقْتَ فِي ذَلِكَ وَلَا عَدَدَ .
ثُمَّ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، مِنْ نَحْرِ أَصْحَابِهِ مَعَهُ الْجَزُورَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ عَلَى التَّوْقِيفِ مِنْهُ لَهُمْ ، عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ وَالْبَدَنَةَ ، لَا تُجْزِئُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَنْ أَكْثَرَ مِمَّا ذُبِحَتْ عَنْهُ - يَوْمَئِذٍ ، وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ الرِّوَايَاتُ بِذَلِكَ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : ثنا حَجَّاجٌ قَالَ : ثنا حَمَّادٌ ، قَالَ : سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ ، عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَمَّامٍ ، وَمَالِكِ بْنِ حُوَيْرِثٍ فِيمَا يَحْسِبُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بَقَرَةً أُضْحِيَّةً فَنَتَجَهَا ، فَسَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَلْ لَا أُبْدِلُ مَكَانَهَا أُخْرَى ؟ فَقَالَ " لَا ، وَلَكِنْ اذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا يَوْمَ النَّحْرِ ، عَنْ سَبْعَةٍ " .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : ثنا مُؤَمَّلٌ ، قَالَ : ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقُولُونَ : الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، قَالَ : ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، ح .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : ثنا وَهْبٌ ، قَالَ ثِنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ .
حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ ، قَالَ : ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِثْلَهُ .
فَلَمَّا جُعِلَتْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَنَا
أَنْ نَعْدُوَ ذَلِكَ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ ، كَانَتْ الشَّاةُ أَحْرَى أَنْ لَا تُجْزِئَ عَنْ أَكْثَرَ مِمَّا تُجْزِئُ عَنْهُ الْبَقَرَةُ مِنْ ذَلِكَ .
فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ ، انْتَفَى بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِ مَنْ ذُبِحَتْ عَنْهُ ، مِمَّنْ لَا وَقْتَ لَهُمْ وَلَا عَدَدَ ، وَلَا يُجَاوِزُ إلَى غَيْرِهِ ، وَثَبَتَ ضِدُّهُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِئُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ .
شرح معاني الآثار (5/ 229)
وَلَمَّا انْتَفَى أَنْ تُجْزِئَ الشَّاةُ عَمَّا فَوْقَ السَّبْعَةِ ، ثَبَتَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ إلَّا عَنْ خَاصٍّ مِنْ النَّاسِ .
وَلَمَّا كَانَتْ بِاتِّفَاقِهِمْ - لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَمَّا فَوْقَ السَّبْعَةِ ، كَانَتْ الشَّاةُ أَحْرَى أَنْ لَا تُجْزِئَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مُجْزِئَةٌ عَنْ الْوَاحِدِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ ، فَلَا يَدْخُلُ فِيمَا قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْخُصُوصِيَّةِ إلَّا مَا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى دُخُولِهِ فِيهِ .
فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ اثْنَيْنِ ، وَلَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .